Sunday, August 4, 2013


البوسفور :ضفاف تعكس جمالا خلابا تمثل مزيجا للماضي و الحاضر

إعداد:زين العابدين محمد الهدوي –الباحث للدكتوراه في جامعة كاليكوت
عقدت مؤسسة إسطنبول للثقافة والعلوم المؤتمر العالمي التاسع للأستاذ بديع الزمان سعيد النورسي في اسطنبول من خلال كليات رسائل النور، وقد شارك في هذا المؤتمر حوالي 50 من العلماء الأجلّة والأساتذة الباحثين قدِموا من 20 دولة من العالم الإسلامي والغربي وذلك في الفترة الممتدة من 22/06/13 إلى 29/06/13 أي لمدة أسبوع.وكنت واحدا من المنتدبين الهنديين في هذا المؤتمر.
البحوث التي قُدِّمت لهذا المؤتمر في هذا العام، تنقسم إلى قسمين:بحوث لنيل درجة الماجستير، والدكتوراه، وهذه للطلاب الذين يستكملون الدراسات وتحصيل الشهادات. والقسم الآخر، هي بحوث للترقية تُقدم من قبل باحثين قد أكملوا مرحلة الماجستير والدكتوراه.
رسائل النور مصدر مهم  في مجال الدراسات الشرعية و الحضارية
ولا شك أن محور المؤتمر كان عن رسائل النور التي هي اصبحت الآن مصدرا مهما في مجال الدراسات الشرعية، وفي مجال الدراسات الحضارية، وكذلك الدراسات الاجتماعية، وغيرها، وبما أن الأساتذة الذين يعملون في الحقل الأكاديمي في الجامعات والمراكز البحثية، بما أنهم يحتاجون إلى مادة ليجروا عليها بحوثهم، والدراسات التي تطلب منهم ويرغبون بإقامتها، بالتالي فإن هذه الرسائل تلبي حاجتهم إلى المادة العلمية الأساسية التي يحتاجون إليها.
وأن تراث الأستاذ النورسي هو من التراث الخالد،لأنه مرتبط بموضوع خالد هوبيان القرآن الكريم ، وبالتالي كان هذا الارتباط الوثيق مما أعطى هذا التراث قيمة الخلود، وتجددَ الحاجة إليها على تجدد الأعصار وعلى تجدد الأزمنة، هذا يعني أن البشرية تستطيع أن تجد في هذا التراث حلولاً لمشكلات كانت قائمة، وتستطيع أن تجد حلولاً لمشكلات قامت الآن، أو ربما ستقوم في المستقبل، إذا قُرئت قراءة واعية، وقراءة متأنية، وقراءة للسطور ولما خلف السطور.
الإسلام احتفظ بحضوره القوي في أوساط الشعب التركي
تبلغ نسبة معتنقي الإسلام في تركيا قرابة 98% من السكان تتبغ الغالبية منهم المذهب السني، ولا ينص الدستور التركي على دين رسمي للدولة التركية، بل يكفل حرية المعتقد والدين للمواطنين الأتراك على النحو الذي يرغبونه دون إكراه أو إلزام.
وعلى الرغم من التاريخ الإسلامي الحافل لدولة التركية إلا أنها تكاد أن تكون قد قطعت الصلة بينها وبين هذا التاريخ على المستويين التشريعي والقانوني للدولة حيث تبنت النهج العلماني.
وبرغم من تمسك الدولة التركية بالقيم العلمانية على المستوى الرسمى إلا أن الإسلام احتفظ بحضوره القوي في أوساط الشعب التركي، وهو ما أدى في خمسينيات القرن العشرين إلى إفصاح بعض السياسيين الأتراك عن ميولهم الإسلامية ومحاولتهم الاستفادة من المكانة الشعبية للإسلام في تقديم خططهم لنهضة تركيا وحل مشكلاتها، غير أن هذه الأصوات عورضت من قبل أغلبية النخبة العلمانية الحاكمة لتركيا وذلك لاعتقادها بأن العلمانية تعتبر مبدأً راسخا قامت على أساسه الدولة التركية الحديثة ولا ينبغي تجاوزه، ولعل هذا التعصب من قبل القادة الأتراك للقيم العلمانية في مقابل احتقارهم للقيم الشائعة التي يعتقد بها أغلبية الأتراك والمتمثلة في قيم الإسلام أدى بشكل تدريجي إلى استقطاب المجتمع التركي نحو إيثار عودة القيم الإسلامية وهو ما دفع بدوره بحلول الثمانينات من القرن العشرين إلى ظهور جيل من السياسيين الأتراك أخذوا علانية في تحدي النخبة العلمانية الحاكمة لبلادهم والمناداة بعودة القيم الإسلامية إلى تركيا.
التقاء طلاب العالم بمؤسسة إسطنبول للثقافة والعلوم
قامت مؤسسة إسطنبول للثقافة والعلوم بتقديم دعوة للعشاء لنحو 30 طالبا من بلدان العالم.وشاركنا فيها كمنتدبي الهند،كما شارك في حفل العشاء هذا  محمد فرنجي وهو من طلبة الأستاذ بديع الزمان سعيد النورسي.
وقد عقد هذا الحفل في مدرسة "رستم باشا" وهي المكان الرسمي لمؤسسة الثقافة والعلوم لطلبة من لبنان، مقدونيا، باكستان، اندونيسيا، المغرب، السودان، ألمانيا، ألبانيا، البنغلاديش، السعودية، ماليزيا، العراق، سوريا، فلسطين والصين.
إسطنبول: المدينة الوحيدة في العالم التي تقع على قارتين
إسطنبول واحدة من أعظم وأهم المدن التركية التي تقع على جانبي البوسفور الذي يصل البحر الأسود شمالاً ببحر مرمرة المتفرع عن البحر الأبيض المتوسط إلى الجنوب الغربي، وهي من أكبر الثغور البحرية وموقعها إستراتيجي للغاية، فهي همزة الوصل بين قارتي آسيا وأوروبا وتاريخها عريق جدًّا يضرب في أعماق التاريخ.
ونشأت إسطنبول على أطلال مدينة صغيرة تسمى بيزنطة، ثم استولى على هذه القرية الإمبراطور الروماني قسطنطين الأول طمعًا في موقعها الجغرافي الممتاز، وأعلنها عاصمة له عام 330م، وقد سُميت هذه المدينة بالقسطنطينية نسبةً إلى هذا الإمبراطور وظلت مدينة القسطنطينية 1100 عام عاصمة للإمبراطورية الرومانية الشرقية وخط دفاع حصين لهذه الإمبراطورية.
وفي العصور الأولى للإسلام كانت هناك محاولات عديدة لفتح هذه المدينة، وهذا الاهتمام من المسلمين بهذه المدينة رغبة منهم في تحقيق بشارة النبي صلى الله عليه وسلم؛ حيث قال: "لتفتحن القسطنطينية فلنعم الأمير أميرها ولنعم الجيش ذلك الجيش"، وكانت أول محاولة لذلك حصار القسطنطينية عام 34هـ/654 م، في عهد أمير المؤمنين الصحابي الجليل عثمان بن عفان رضي الله عنه؛ حيث أرسل معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه على رأس جيش كبير لحصارها وفتحها، غير أنه عاد دون أن يتمكَّن من ذلك بسبب الأسوار المنيعة.
وقد تلتها محاولات أخرى عديدة كان أهمها محاولتين، إحداهما كانت في عهد الخليفة معاوية بن أبي سفيان، وقد تُوفي فيها الصحابي الجليل أبو أيوب الأنصاري ودُفن عند أسوار القسطنطينية، أما المحاولة الأخرى المهمة فكانت في عهد سليمان بن عبد الملك؛ حيث سار جيش مكون من 120 ألف مقاتل وما يقرب من مائة قطعة بحرية تجاه القسطنطينية لحصارها، ولقد لاقى ذلك الجيش الكثير من العنت والمشقة بسبب البرد فحال ذلك دون فتحها، ثم تُوفي الخليفة سليمان وتولَّى الخليفة عمر بن عبد العزيز الخلافة من بعده فأمر بعودة الجند؛ خوفًا عليهم من الهلاك بسبب البرد، وبقيت القسطنطينية ممتنعةً على الفاتحين حتى نشأة الدولة العثمانية، وقد حاول الأتراك العثمانيون بعد أن أصبحت لهم دولة كبيرة فتح القسطنطينية كان أولها تلك المحاولة التي كانت على عهد السلطان بايزيد الأول، ولكن حال دون نجاحها هجوم الصليبيين على الدولة العثمانية واستغلالهم لتلك الفرصة، وكذلك مواجهة الخطر المغولي الذي كان يتقدم لمهاجمة الدولة العثمانية من جهة الشرق.
وفي عهد السلطان محمد الثاني بن مراد الثاني حاول العثمانيون فتح القسطنطينية بجيش مكون من 265 ألف مقاتل تصحبهم المدفعية الثقيلة، وكان في مقدمة الجيش الشيوخ والعلماء وكبار رجال الدولة، متوجهين إلى القسطنطينية يتقدمهم السلطان، وتحت وابل من النيران والسهام اقتحم الجنود أسوار المدينة، وتدفقت جموعهم إليها كالسيل الجارف، ودخلها السلطان محمد الثاني فاتحًا في يوم الثلاثاء 20 من جمادى الأولى سنة 857هـ/ 29 من مايو 1453م، وقد لُقِّب السلطان من يومها بالفاتح حتى غلب اللقب على اسمه، فصار لا يُعرف إلا به، ولما دخل المدينة ترجَّل عن فرسه، وسجد لله شكرًا، ثم توجَّه إلى كنيسة آيا صوفيا وأمر بتحويلها إلى مسجد، وأمر بإقامة مسجد في موضع قبر أبي أيوب الأنصاري، ومنذ ذلك التاريخ أصبحت القسطنطينية عاصمةً للدولة العثمانية، وأطلق عليها اسم "إسلام بول" أي دار الإسلام.
واستمر الاهتمام بإسطنبول التي سرعان ما أصبحت العاصمة الجديدة والمركز الحضاري والفكري الأول في العالم الإسلامي؛ وذلك بفضل تنافس السلاطين العثمانيين على تعميرها، وجلب أمهر الصناع والفنيين إليها من مختلف أنحاء البلاد، ولما انتقلت الخلافة الإسلامية إلى العثمانيين أصبحت إسطنبول عاصمة الخلافة الإسلامية وحاضرةً لدولتها المترامية الأطراف.
البوسفور :ضفاف تعكس جمالا خلابا تمثل مزيجا للماضي و الحاضر
هناك مناطق مهمة في أسطنبول التي زرناها اثناء زيارة تركيا، منها البوسفور، لا يمكن اعتبار الإنسان أنه قد زار اسطنبول إذا لم يقم بجولة في البوسفور. ضفافه التي تعكس جمالا خلابا تمثل مزيجا للماضي و الحاضر؛ بمراكبه الحالمة بجانب الفنادق الفخمة، بقلاعه الحجرية الشامخة قرب القصور الجميلة، بمحاله الجميلة التي تحمل ذكريات قرى الصيادين.ركبنا سفينة الركاب التي تجوبه من ضفة إلى أخرى بطريقة متعرجة. وزرنا المرافئ المتعددة على ضفتي آسيا و أوروبا و روعة العمارة العثمانية ثم تكمل في البحر.
أورتا كوي : تعتبر أورطا كوي التي تتربع علي أجمل مكان في البوسفور، أوسكودار : تتحد أسكدار الحالمة على ضفاف البوسفور مع برج "قزكولسي" في تناغم خلاب. و هي المعبر الرئيسي إلى قارة أوروبا. تطالعك فيها المساجد الأثرية التي تعود إلى القرن السادس عشر، سبيل الماء القديم، و مدرسة و مسجد شمسي باشا و كلها أمثلة حية للفن العثماني. مقبرة قارجا أحمد التاريخية و من فوقها منطقة جامليجا بتلتيها الكبرى و الصغرى تشكل الحدود الخلفية لأسكدار. التلال مغطاة بالصنوبر والمنطقة تطل على البوسفور و على الجزر بمشهد خلاب.
مدينة البورصة :زرنا مدينة بورصة بعد الإنتهاء من اجراءات المؤتمر التي عقدت باسطنبول لمدة ثلاثة ايام، مدينة "بورصة" هي مزيج من عظمة التاريخ وسحر الطبيعة، تحتوي علي غابات شاسعة وسواحل ومنتجات مطلة علي بحر المرمرة. وهي المدينة السياحية الترفيهية الخضراء، و التي تشتهر بصناعاتها مثل المنسوجات والجلود والأثاث والغذاء وغيرها.
من خلال الصعود بالتليفريك تستمتع برؤية جبل أولوداغ وقمم الجبال المغطاة بالثلوج في فصل الشتاء والخضرة في الصيف، ومن الأطباق التي تشتهر بها مدينة "البورصة" طبق اسكندر كباب والذي يتكون من الخبز وعصير الطماطم وشرائح من اللحم المشوي والزبد واللبن، اسأل عنه فهو يقدم في مختلف مطاعم المدينة، ولا تنسي تذوق الشاورمة التركي، ومن أشهر المطاعم هناك "حاجي دايخ".
ولتتجه بعد ذلك لمشاهدة "الشجرة العملاقة" التي تتميز بضخامتها وكثرة فروعها، ويمكنك الجلوس أسفل الشجرة لتناول الشاي والفواكه.
مساجد إسطنبول تفرد العمارة الإسلامية
في عهد الخلافة الإسلامية أصبحت إسطنبول أكبر مدن الخلافة العثمانية، فاشتهرت بكثرة مساجدها التي بلغ عددها حوالي 500 مسجد، في غالبيتها مساجد تاريخية وأثرية حيث يوجد منها مجموعة رائعة من المساجد الأثرية ذات القيمة المعمارية الرفيعة إلى جانب تاريخها العظيم.
جامع السلطان أحمد :جامع السلطان أحمد أو الجامع الأزرق يقع في مدينة إسطنبول في تركيا ويقع بالضبط في ميدان السلطان أحمد وهو جامع مذهل في عمارته وانواره بالليل يعد أحد أهم وأضخم المساجد في تركيا والعالم الإسلامي ويقع مقابل لمتحف آيا صوفيا.
بني المسجد بين عامي :1018 ـ 1020 هـ / 1609 ـ 1616 م حسب أحد النوقشات على أحد أبوابه. مهندسه محمد آغا أشهر المعماريين الأتراك بعد سنان باشا وداود أغا. يقع المسجد جنوبي آيا صوفيا وشرق ميدان السباق البيزنطي القديم. وله سور مرتفع يحيط به من ثلاث جهات، وفي السور خمسة أبواب، ثلاثة منها تؤدي إلى صحن المسجد واثنان إلى قاعة الصلاة.
يعلو المسجد ست مآذن لاقت صعوبات في تشييدها، إذ كان المسجد الحرام يحتوي على ست مآذن ولاقى السلطان أحمد نقدا كبيرا على فكرة المآذن الست، لكنه تغلب على هذه المشكلة بتمويل بناء المئذنة السابعة في المسجد الحرام ليكون مسجده المسجد الوحيد في تركيا الذي يحوي ست مآذن.
مسجد محمد الفاتح :مسجد محمد الفاتح هو مسجد الامبراطورية العثمانية والذي يقع في منطقة الفاتح في اسطنبول تركيا وهو واحد من اكبر الامثلة في العالم علي العمارة الاسلامية التركية في اسطنبول وتمثل مرحلة مهمة في تطور العمارة التركية ويسمي محمد الفاتح وهو السلطان الذي فتح القسطنطينية في عام 1453م تم بناء المسجد في موقع كنيسة الرسل المقدسة والتي كانت دمرت خلال الحملة الصليبية الرابعة وكان المسجد بناية دينية واجتماعية لم يسبق لها مثيل في الحجم والتعقيد والذي تم بناءة في اسطنبول بين اعوام 1463 الي 1470م بأوامر من السلطان محمد الفاتح واليوم يعتبر المسجد واحدا من اكثر المساجد شهرة من مساجد تركيا.
جامع سيلمان القانوني :جامع سيلمان القانوني او كما يدعي جامع السليمانية يرجع تاريخ بناء المسجد الي عام 1558م مما يجعلة واحد من اعرق مساجد تركيا واسطنبول ويقع مسجد السليمانية في منطقة السليمانية والمسجد بين مجموعة معمارية متنوعة حيث تحيط بالمسجد مقبرة و مستشفي و فندق ومدرسة ومحلات ويعتبر المسجد واحد من المساجد الهمة والتاريخية في عموم تركيا وجامع السليمانية هو احد اعمال المعماري المبدع خوجة معمار سنان اغا الذي يعتبر اشهر معماري عثماني وله الكثير من الاعمال المعمارية وتم دفنه بقرب المسجد.
وهنا اشكرمؤسسة إسطنبول للثقافة والعلوم، و القائمون عليها كخلية نحل، وذلك أن النحل لايهدأ فهو دائم البحث عن الرحيق، وهم كذلك لايهدأون. وأن النحل يؤدي في عمله الدؤوب هذا إلى العسل، وهم كذلك في نتائج أعمالهم يصلون إلى العسل الذي فيه غذاء، وفيه شفاء للناس.
 نحن نقدر لهم هذا البذل، وهذه الجهود، وهذا الإخلاص، وهذا الصدق في التوجهات، وهذا العمل الدؤوب الذي لايفتر، ولايتوقف، وهذا كله من موضع تقديرنا، وتقدير المتابعين لعملهم في هذه المؤسسة المباركة أيضا، ولايسعنا إلا أن ندعو الله عز وجل أن يبارك في جهودهم، وأن يزيدهم ثباتا على الطريق، وفهما بمقتضيات المرحلة التي يعيشونها، والتي تعيشها تركيا، والتي يعيشها العالم الإسلامي.